رغم أهمية موقع ظفار وإمكانياته في انتاج سلع استراتيجية عالمية هامة للعالم القديم والعالم الإسلامي،ورغم أهمية نشاط أهلها الملاحي في تجارة المحيط الهندي والسواحل الآسيوية والأفريقية،إلا أن أهمية ظفار قد امتدت إلى جوانب حضارية هامة تمثلت في عملية بناء جسور من التواصل الحضاري بين مختلف المناطق والأقاليم والحضارات والمدنيات والدول والشعوب التي اتصل بها أهل ظفار بكافة مستوياتها.
وترجع أهمية الدور الظفاري خاصة والدور العماني عامة في عمليات التواصل الحضاري إلى الجوانب التالية:
أولا:الفراغ السياسي الطويل على سواحل أفريقيا الشرقية وما تبع ذلك من عدم وجود قوة مركزية هامة تتمكن من تحديد احتياجات المنطقة الأفريقية من حيث الاستيراد والتصدير ومن حيث تجديد الهوية الحضارية للمنطقة فكان أهل ظفار هم العنصر الذي قام بهذا الدور بهمة ونشاط وإخلاص وأمانة فقد انتشرت جالياتهم وأسسوا مراكزهم التجارية، وحققوا بذلك هوية حضارية للمنطقة في فترات زمنية طويلة، ولولا هذا الدور لتعرضت هذه المنطقة للإهمال.
ثانيا:امتدت سواحل المحيط الهندي امتدادا هائلا من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وشملت نماذج حضارية وبشرية واقتصادية متنوعة ومتباينة،ولما كانت شعوب تلك السواحل تفتقد إلى الخبرة الملاحية للتواصل فيما بينها فقد أصبحت سواحل عمان وخاصة ظفار هي مركز التواصل الهام بين تلك المناطق.
خاصة وأن الهنود لم يقدموا مساهمات ملاحية وخبرات في التواصل توازي إمكانيات بلادهم بسبب نصوص وفحوى عقائدهم التي تدعو إلى الزهد والتوجه صوب العالم الآخر،وكذلك بسبب طبيعة بلادهم فرغم إمكانيات الهند التي شملت موارد متنوعة، إلا أن مسئولية نقل منتجاتهم واستيراد مستلزماتهم تمت على أيدي العرب في غالب الأمر خاصة من أهل عمان.
ثالثا:تمكن الهنود من تحقيق انجازات تقنية وعلمية رائعة في مجالات الفلك والرياضيات والكيمياء والطب وغير ذلك إلى جانب دورهم في مجال الصناعات وتطويع المعادن والخامات وتشكيلها وعلى رأس تلك المعادن الحديد، حينما تمكنوا من اكتشاف الفولاذ المصهور الذي اعتبر بمثابة انقلاب صناعي في العالم القديم.
وكانت بقية شعوب المحيط الهندي ومدنياته في حاجه إلى تلك التقنيات، وأخذت حضارات العالم تسعى إلى ذلك فأصبحت ظفار هي الممر الهام لتلك الصناعات،خاصة لطريق البحر الأحمر.
كما اتضحت أهمية أخرى للدور الظفاري حينما وفرت سفن أهل عمان عامة وظفار خاصة خامات الحديد والذهب والعاج وغيرها إلى مراكز تصنيعها في الهند.
رابعا:في الجانب الحضاري العام أصبحت سواحل عمان وظفار تتوسط أقاليم متباينة في مستوياتها الحضارية حيث تقع إلى الشمال منها حضارات شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والفراعنه في البحر الاحمر، وكذلك إلى الشرق منها الهند،وعالمها الحضاري المميز، بينما توجد مستويات حضارية خاصة على السواحل الافريقية. وكانت لحركة التجارة أهمية في المزج بين تلك الأقاليم الحضارية والمميزة بفضل أهل عمان وخاصة تجار ظفار.
خامسا:كان لظفار دورها المميز في نشر الإسلام في منطقة المحيط وسواحله وجزره ولم يبخل أهلها بتوصيل نعمة الإسلام إلى تلك النواحي ، فحمل تجار عمان من أهل ظفار الإسلام أينما رحلوا. وكانت للسواحل العمانية دورها المميز في ذلك بحيث نجد معظم مسلمي العالم اليوم يعيشون في دول تطل على المحيط الهندي الأمر الذي يؤكد الدور المميز للتجار والجاليات التي انتشرت على السواحل منذ القدم.
ويتذكر الروايات الهندية أن إسلام حاكم المليبار على ساحل غرب الهند كان في زمن الرسول(صلى الله عليه وسلم)، حينما مر بأرضه جماعة من المسلمين في طريقهم إلى مليبار وسيلان،فأمن على أيديهم وقرر أن يترك مملكته ويذهب لمقابلة الرسول(صلى الله عليه وسلم)، وبعد تشرفه بلقاء الرسول(صلى الله عليه وسلم)، توفي أثناء عودته في بلاد
الشحر،وقد أكد بعض الشيوخ المعروفين في ظفار أن وفاة السامري المليباري في ظفار وأن قبره ما زال مشهورا هناك.وكان للنشاط التجاري لأهل عمان وخاصة من ظفار الأثر الكبير في تحول الأفارقة إلى الدين الإسلامي منذ القرن الأول الهجري/ السابع والثامن الميلادي.
سادسا: كان لتجار ظفار الدور الكبير في نشر الثقافة العربية والفنون والآداب المرتبطة بها إلى كافة نواحي سواحل المحيط الهندي كما كان لهم الدور المميز في تعديل سلوك المجتمعات الافريقية بجانب تغيير المفاهيم والمعتقدات الوثنية.
(1) وبذلك قدمت ظفار دورا مميزا في عملية التواصل الحضاري بين حضارات ومدنيات العالم القديم والإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق