عرف سكان ظفار شجرة اللبان منذ أقدم العصور، ولكن استخدام ثمارها-بشكل واسع- لم يبدأ إلا في العصر الحجري كما ورد سابقا، فقد سلكت قوافل التجارة المحملة باللبان الظفاري-خلال العصر الإسلامي- نفس الطريق التي كانت مستخدمة منذ العصر الحجري الحديث، وهي التي أنشأها العرب والرومان مهتدين بنفس الطرق القديمة،وكانت طرقا معبدة يعود تاريخها إلى عصور قديمة تتعرض للإهمال بعض الوقت ثم يعاد إصلاحها للاستخدام في أزمان تالية.
ويذكر ياقوت الحموي أن العرب كانوا يعبرون الربع الخالي بصورة دائمة في رحلة تمتد خمسة وأربعين يوما من منطقة(وادي الدواسر) شمالا إلى حدود منطقة المهرة في الجنوب. وقد ظل العرب يذكرون الطريق من ريسوت إلى بغداد-عبر الربع الخالي- حتى ثلاثينات القرن الحالي.وهو الطريق الذي كانت تسلكه القوافل التجارية حاملة السلع الهندية لنقلها من الهند إلى بغداد مرورا بريسوت.
ويشير المؤرخ (ابن المجاور) إلى وجود طريق بين مرباط وطاقة القديمة يمتد إلى الكوفة،وأن هذا الطريق يتفرع منه جانب آخر إلى واحات الإحساء والطائف،وهو الذي كان العرب يستخدمونه لجلب الجياد-مرتين في العام- ومقايضتها بالعطور وغيرها من السلع الفاخرة.
وكان للبخور الظفاري دورا بارزا في النشاط التجاري بين المناطق العربية القديمة من جانب
والحضارات المختلفة المحيطة بها من جانب آخر.فقد أعقب العصر الحجري الحديث ما
يسمونه العصر البرونزي،وهو الذي يؤكد روابط شرق شبه الجزيرة العربية مع غربها ومع
عمان وبلاد (سومر) في جنوب العراق.ويعود تاريخ أول النقوش الكتابية في حضارة (سومر) إلى نحو العام 2300 قبل الميلاد، وهي الفترة المعاصرة للعهد الأخير من العصر الحجري الحديث في منطقتي ظفار والربع الخالي.حيث تم العثور على عدد من الألواح السومرية(الكتابة القديمة) عليها كلمة (بخور)، وفي سجلات أخرى عبارة دقيقة تقول:(البخور المستخرج من أرض اللبان).وهناك تعبيرات أخرى معناها:(البخور المطلوب للحكام والقساوسة).وتفيد الكتابات الأولية أن هذا البخور كان يقاس عن طريق الوزن، وكانوا يخلطونه بالزيت أو الشحوم، ويستخدمونه لأغراض خاصة في الطقوس الدينية و كعلاج أو كعطور. أما كلمة (الصمغ) فلم تظهر إلا في الكتابات(الآشورية) اللاحقة، حوالي العام (1800) قبل الميلاد.ويقول البروفيسور يوريس زارينز من جامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية في بحثه حول الإكتشافات الأثرية الحديثة بمحافظة ظفار يقول بأنه من واقع النقوش الكتابية تبين أن اللبان كان يتم تصديره إلى بلاد (سومر) ومناطق العراق القديم عن طريق البحر عبر موانىء في البحرين وشرقي الجزيرة العربية،كماأن الإكتشافات الأثرية الحديثةوالتي تعززها صور الأقمار الصناعية أثبتت قيام هذه التجارة عبر الطرق البرية.
لم يكتف العمانيون بتصدير اللبان وإنما أضافوا إليه الشحوم وصنعوا منه البخور الذي كان يستخدم في الطقوس الدينية والعلاج والتطيب وشكل هذا المنتج أهمية كبيرة في الحركة التجارية خلال العصر الحجري الحديث، وتشير الدراسات المسمارية القديمة إلى أن العراق قد اعتمد على اللبان والصمغ الذي يأتي من ظفار ، ومنذ حوالي(5000ق.م) كانت طلبات العراق تتزايد على البخور والعطور والصمغ القادم من بلاد ظفار، ومنذ عام(2000ق.م) شهدت المنطقة انقلابا هائلا في مناخها، حيث اخذت البيئة تتجه نحو التصحر والجفاف مما ألحق ضررا كبيرا بأشجار اللبان مما دفع سكان ظفار إلى العناية بالجمال واستئناسها لإستخدامها في تجارة القوافل البرية وقد أثبتت الكشوف الأثرية أن تجارة القوافل البرية صارت حقيقية ثابتة بحلول عام(1500ق.م).
وبحلول العصر البرونزي والعصر الحديدي اازدهرت منطقة شصر التي شهدت مجتمعات عمرانية هائلة وخلال العصور الوسطى أشارت الكثير من المصادر إلى أهمية شصر ونشاط
مكانها في تجارة البخور والخيول ،ويبدو أن شصر لم تفقد أهميتها التجارية إلا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي حيث هجرها أهلها إلى مناطق أخرى مجاورة.
وخلاصة القول هنا أن شجرة اللبان قد حظيت -عبر ثمارها- بهذا الحضور التاريخي الهائل،الذي جعل منها جسرا للتواصل بين حضارات العالم القديم، قبل أكثر من 7 آلاف سنة.
ولخاطرها تحركت القوافل التجارية في مسارات شاقة من ظفار إلى شواطىء جنوب العراق وإلى الشام ومصر القديمة وحتى غزة الفلسطينية الساحلية التي حملت منها السفن ثمار الشجرة الظفارية إلى البلدان الأوروبية،وخاصة روما القديمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق